المقدمة
في إطار سعي الحكومة العراقية لمواكبة التطورات في المجال القانوني، قام مجلس النواب بسن قانون يهدف إلى إلحاق العراق بركب التحول الرقمي. بالإضافة إلى تشجيع استخدام التكنولوجيا وتطوير صناعة الإنترنت داخل البلاد. بناءً على ذلك، تم إقرار قانون التوقيع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية رقم (78) لسنة 2012. هذا القانون حيث يشكل الإطار التشريعي الأساس لتنظيم التوقيع الإلكتروني في العراق.
من خلال هذه المقالة، سيتم تسليط الضوء على الإطار القانوني للتوقيع الإلكتروني. كما سنناقش أبرز التحديات التي تواجه تطبيقه على أرض الواقع.
الإطار التشريعي للتوقيع الإلكتروني
فيما يتعلق بالتعريف القانوني، نص قانون التوقيع الإلكتروني في المادة الأولى، الفقرة الرابعة، على أن التوقيع الإلكتروني هو “علامة شخصية تتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو أصوات أو غيرها. وله طابع متفرد يدل على نسبته إلى الموقع، ويكون معتمدًا من جهة التصديق.”
أما من حيث الشروط القانونية، فقد أجاز القانون استخدام التوقيع الإلكتروني كبديل عن التوقيع الاعتيادي. هذا بشرط أن تتوفر شروط محددة وردت في المادة الخامسة. ومن بين هذه الشروط أن يكون التوقيع معتمدًا من جهة التصديق، وأن يصدر من الموقع ذاته دون تدخل من أطراف أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الجهاز الإلكتروني المستخدم (مثل الهاتف أو الحاسوب) تحت سيطرة الموقع فقط. ويجب أن يكون أي تعديل أو تبديل في التوقيع قابلًا للكشف. كما ينبغي أن يتم إصدار التوقيع وفقًا لإجراءات تصدرها الوزارة وتعليمات من الوزير المختص.
من خلال هذه الشروط، يتضح أن المشرّع العراقي حرص على وضع إطار قانوني يضمن موثوقية التوقيع الإلكتروني ويكفل حجيته القانونية.
التوقيع الإلكتروني في قانون العقوبات
على الرغم من أهمية التوقيع الإلكتروني، لم يُجرِ المشرّع في قانون العقوبات التعديلات اللازمة لمواكبة هذه التطورات بشكل كافٍ. فحتى الآن، لم يتم تضمين عقوبات صريحة تتعلق بتزوير التوقيع الإلكتروني أو اختراق الأجهزة الرقمية لغرض استخدام التوقيع دون إذن. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتم تعديل النصوص العقابية القائمة لتشمل هذا النوع من الجرائم.
في المقابل، لا يزال المشرّع يقتصر في معالجته لمسألة التزوير على التوقيع الاعتيادي. كما ورد في المادة 287/1 من قانون العقوبات. نتيجة لذلك، ظهرت فجوة تشريعية واضحة تضعف الحماية القانونية للتوقيعات الإلكترونية في حال وقوع جريمة تزوير رقمية.
التحديات العملية في تطبيق القانون
رغم أن الحكومة العراقية أقرّت قانون التوقيع الإلكتروني منذ عام 2012، إلا أن وزارة الاتصالات لم تُصدر تعليمات تنفيذه إلا في عام 2025. يعكس هذا التأخير الواضح تقصير الجهات المعنية في الاستجابة لمتطلبات التحول الرقمي. إضافة إلى ذلك، لم تعمل المؤسسات الحكومية على تطوير كوادرها بما يتناسب مع هذا التحول، حيث لا يزال العراق يفتقر إلى موظفين مؤهلين بشكل كافٍ في هذا المجال، مما يضعف تنفيذ القانون بشكل فعّال.
وعلى صعيد آخر، لم تُوفّر الجهات المختصة البنية التحتية الرقمية اللازمة لتطبيق نظام التوقيع الإلكتروني. ويُعد هذا الضعف من أبرز العوائق التي تواجه استخدام التوقيع الإلكتروني في الدوائر الحكومية. لذلك، من الضروري أن تبادر الحكومة إلى معالجة هذه التحديات لضمان نجاح تطبيق القانون وتحقيق أهدافه المرجوة.
خطوات الوزارة نحو تفعيل القانون
في خطوة متقدمة نحو التنفيذ، أعلنت وزيرة الاتصالات عن صدور تعليمات تنفيذ قانون التواقيع الإلكترونية بموجب القرار رقم (1) لسنة 2025. كما أشارت إلى أن المرحلة التجريبية ستبدأ قريبًا في عدد من الوزارات والدوائر الحكومية، تمهيدًا لتطبيقه بشكل أوسع.
وبذلك، يمكن القول إن هذه الخطوة تمثل بداية عملية لتفعيل القانون بشكل فعلي. وتُعبّر هذه الخطوة عن نية واضحة من الجهات الرسمية لتحقيق التحول الرقمي الشامل، خصوصًا فيما يتعلق بتنظيم التعاملات الإلكترونية ضمن أطر قانونية معتمدة.