غسل الأموال والمسؤولية الجنائية للشركات في القانون العراقي


المقدمة:

يمكن تعريف جريمة غسل الاموال بانها شرعنة مصدر المال، اي بمعنى استخدام مال تحقق بصورة غير مشروعة في اعمال تجعله يبدو متحققاً بصورة مشروعة. هذه الجريمة تعد من اهم وأخطر الجرائم كونها مرتبطة باقتصاد البلد والسمعة المالية له. يظهر ارتباط غسل الاموال وانهيار الشركات بعدة نقاط منها ان هناك شركات تؤسس والغرض من تأسيسها هو تغطية اعمال غسل الاموال، او توجد شركات ويتحول عملها الى غسل الاموال.

في هذه المقالة سنتعرف على جريمة غسل الاموال وخصائصها والعقوبات المقررة على الشخص المعنوي -الشركات على سبيل المثال- في حال ارتكابه لهذ الجريمة.

التعريف بجريمة غسل الاموال:

عُرفت هذه الجريمة تعريفات عدة منها هي كل معاملة هدفها إخفاء أو تغيير هوية الأموال المتحصلة بطرق غير قانونية بغية إظهارها بأنها ناشئة من مصادر قانونية خلافا لحقيقة مصدرها الجرمي، بمعنى ان يتم الحصول على الاموال عن طريق تجارة المخدرات وبالأموال المتحصلة يتم شراء مجموعة عقارات وايجارها وبالتالي تتحقق شرعية الاموال فبدلاً من ان يقول المالك انه حصل عليها عن طريق تجارة المخدرات يقول انه حصل عليها عن طريق ايجار عقاراته.

وبالنسبة للتشريع العراقي فلم يعرف المشرع جريمة غسل الاموال -كون مسألة التعريف ليست من اختصاص المشرع بل من اختصاص الفقه- بل حدد مجموعة من الافعال التي يؤدي ارتكابها الى جريمة غسل الاموال وذلك في المادة 2 من قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015 النافذ حالياً، وهي كالآتي:

يعد مرتكبا لجريمة غسل الاموال كل من قام بأحد الافعال الاتية:

اولا – تحويل الاموال، او نقلها، او استبدالها من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم انها متحصلات جريمة. لغرض اخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعدة مرتكبها أو مرتكب الجريمة الاصلية او من ساهم في ارتكابها او ارتكاب الجريمة الاصلية على الافلات من المسؤولية عنها.

ثانيا – اخفاء الاموال او تمويه حقيقتها او مصدرها او مكانها او حالتها او طريقة التصرف فيها او انتقالها او ملكيتها او الحقوق المتعلقة بها، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم انها متحصلات من جريمة.

ثالثا – اكتساب الاموال او حيازتها او استخدامها، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم وقت تلقيها انها متحصلات جريمة.

ويلاحظ على موقف المشرع العراقي انه لم يحصر هذه الاموال -الاموال المتأتية بصورة غير مشروعة- بجريمة المخدرات انما مد نطاقها بحيث تشكل جميع الاموال المتحصلة بصورة غير مشروعة.

اركان الجريمة:

هذه جريمة كغيرها من الجرائم لابد من توافر اركانها حتى تقوم، ولها ركنين مادي ومعنوي، وزاد الفقه وجود ركن ثالث وهو جريمة مفترضة سابقة على جريمة غسل الاموال، 

1– الركن المادي: والمقصود به الفعل المؤدي الى الجريمة اي هو المظهر الخارجي للجريمة وتمثل بمجموعة الافعال التي حددها المشرع العراقي وهي كالآتي:

  • تحويل الاموال، او نقلها، او استبدالها لغرض اخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعدة مرتكبها أو مرتكب الجريمة الاصلية او من ساهم في ارتكابها او ارتكاب الجريمة الاصلية على الافلات من المسؤولية عنها.

  • اخفاء الاموال او تمويه حقيقتها او مصدرها او مكانها او حالتها او طريقة التصرف فيها او انتقالها او ملكيتها او الحقوق المتعلقة بها

  • كتساب الاموال او حيازتها او استخدامها

2– الركن المعنوي: والمقصود به النية حيث تعتبر هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي لا يتصور ان يقوم بها نتيجة اهمال او تقصير، فعندما يقوم الشخص بتمويه او اخفاء مصدر الاموال المحصلة لا يتصور جهله بانه يرتكب جريمة غسل اموال.

3– الركن المفترض: وهو الجريمة السابقة على جريمة غسل الاموال، فجريمة غسل الاموال تفترض وجود جريمة سابقة عليها تؤدي الى حصول الاموال بطريقة غير مشروعة، مثل الحصول على الاموال عن طريق تجارة المخدرات وقيام الشخص بإخفاء مصدر الاموال المتحصلة عن طريق فتح مطعم على سبيل المثال او شركة. والقول بان هذا الركن مفترض لان الفقه افترض وقوع جريمة سابقة على جريمة غسل الاموال كما في المثال السابق، هذا الامر حدا بعض الفقهاء الى القول بان غسل الاموال ما هو الا أثر الجريمة السابقة وبالتالي فان العقوبة التي توجه الى المتهم تكون عقوبة واحدة على اعتبار انه ارتكب جريمة واحدة، الا ان هذا القول مرجوح بدلالة نص المادة 3 من قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب حيث نصت على (لا تتوقف ادانة المتهم عن جريمة غسل الاموال على صدور حكم عن الجريمة الاصلية التي نتجت عنها هذه الاموال) 

وفقاً لنص المادة اعلاه نلاحظ ان المشرع عامل جريمة غسل الاموال والجريمة السابقة عليها معاملة منفصلة، وهذا يؤكد على كونهما جريمتين مستقلتين قائمتين بذاتهم.

الشركات وغسل الاموال:

ان الفاعل في هذه الجريمة لا يقف عند الشخص الطبيعي، بل يمكن ان يكون شخصاً معنوياً كالشركات مثلاً ويكون ذلك بعدة طرق:

1- استخدام الشركة كواجهة للجريمة: كأن تؤسس شركة صورية ليس لها نشاط فعلي ويكون وجودها لغرض تمويه او اخفاء غسل الاموال او ان توجد شركة لها نشاط فعلي تمارسه لكن يتم استغلال جزء من تعاملاتها لغرض غسل الاموال.

2- تضخيم أو اصطناع إيرادات ومبيعات: فتقوم الشركة باصطناع مبيعات لزبائن غير موجودين او لعمليات بيع لم تتم.

3- عقود وهمية أو مبالغ فيها: كأن تقوم الشركة بعمل عقود بيع وهمية او مبالغ في قيمتها.

4- استخدام نظام الفوترة المتسلسل (Trade-Based Money Laundering): في هذه الطريقة تقوم الشركة بالتلاعب بالفواتير اما عن طريق زيادتها او إنقاصها.

5- دمج الأموال المشبوهة مع النشاط الحقيقي: هنا تقوم الشركة بدمج الاموال المغسولة مع نشاط الشركة الحقيقي فتدخل ضمن الحسابات كأنها ارباح تشغيلية.

6- شراء وبيع الأصول باسم الشركة: التعقيد في الحسابات الدولية، اختلاف الأنظمة القانونية بين الدول، وجود فروع في مناطق ذات رقابة ضعيفة، فيتم تحويل الأموال بين الفروع لتضليل الجهات الرقابية.

العقوبات المقررة في القانون العراقي:

وفي كل الأحوال قرر المشرع عقوبات على كل من الشخص الطبيعي والمعنوي ولما كنا بصدد الكلام عن الشخص المعنوي سنتناول عقوباته المقررة في القانون في المادة 46. حيث نصت على:

 اولا – مع عدم الاخلال بالمسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي المنصوص عليها في هذا القانون يسال الشخص المعنوي عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون التي يرتكبها ممثلوه او مديروه او وكلاؤه لحسابه وباسمه ويعاقب بالغرامة والمصادرة المقررة للجريمة وفقا للقانون.

ثانيا – يكون الشخص المعنوي مسؤولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات إذا كانت الجريمة قد ارتكبت من أحد العاملين لديه وباسمه ولصالحه.

من خلال النص أعلاه نلاحظ بأن عقوبة الشخص المعنوي لا تلغي مسؤولية الشخص الطبيعي فيتم معاقبة كل من وكيل او ممثل او مدير الشخص المعنوي او حتى أي موظف او عامل يرتكب هذه الجريمة باسمه، وتكون عقوبة الشخص المعنوي في الاعم الاغلب مصادرة املاكه او فرض غرامات عليه، عكس عقوبة الشخص الطبيعي الذي من الممكن ان تفرض عليه عقوبات سالبة للحرية بالإضافة الى الغرامة.

الخاتمة:

ان جريمة غسل الأموال تمثل تهديداً مباشراً للنظام الاقتصادي، ولا سيما عندما تُستغل الشركات كوسيلة لتمويه الأموال غير المشروعة. وقد عالج المشرع العراقي هذه الخطورة بنصوص واضحة تجرّم الأفعال المكوّنة للجريمة وتفصل مسؤولية غسل الأموال عن الجريمة الأصلية، مع تقرير مسؤولية الشخصين الطبيعي والمعنوي معاً. ويظل تعزيز الرقابة الداخلية في الشركات وتفعيل إجراءات الامتثال والشفافية من أهم الوسائل للحد من هذا النشاط غير المشروع وحماية الاقتصاد الوطني.

التعليقات معطلة.